17 - 08 - 2024

وجهة نظري| أهالى أطفال أبو الريش.. نظرة رحمة

وجهة نظري| أهالى أطفال أبو الريش.. نظرة رحمة

لم نعتد أن يخرج من برلماننا الموقر إلا ما يخدم الحكومة وقرارتها وتوجهاتها التي غالبا لاتصب في صالح المواطن البسيط الشقيان.. لكن يبدو أن لكل قاعدة شواذ.

وبين الحين والآخر يخرج علينا أحد النواب باقتراح أو يهمس آخر بطلب أو يتفتق ذهن ثالث بتوصية تجد صداها عند عامة الشعب المطحون المفترض أن المجلس بجميع أعضائه صدى لهمومه وأوجاعه ومنبرا للتعبير عن مشاكله وأزماته وعينا رقيبة على المتربصين بموارده وثرواته، ومشرعا لكل ما يخدم مصالحه ويحسن أوضاعه ويحقق رغدا في عيشه ومستقبله.

أمام تلك الحالة التي وسمت أداء نواب البرلمان والتي مالت كفتها كثيرا صوب الهدوء المميت والرتابة المملة والتأييد المطلق للسلطة التنفيذية، حتى أصبح نواب الشعب منتزعى الصلاحية، ومجرد ديكور شكلى لزوم ديمقراطية متوهمة.

أمام تلك الحالة توقفت كثيرا عند اقتراح تبناه النائب رضا البلتاجى لتخصيص عمارة سكنية لخدمة أهالى أطفال مستشفى أبو الريش.. وجد النائب الفرصة مواتية لتحقيق اقتراحه ليصبح حقيقة بعدما شهدت المنطقة المحيطة بالمستشفى اعمال إزالة تمهيدا لإخلائها وإعادة تخطيطها في إطار خطة الدولة لتطوير العشوائيات وتوفير حياة كريمة وسكن ملائم للمواطنين.

الشعار البراق دفع النائب للحلم بتطبيقه على أرض الواقع، فتقدم باقتراح برغبة لرئيس البرلمان موجه لرئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولى بتخصيص عمارة سكنية لأهالى أطفال مرضى مستشفى أبو العريش.

ومن أحق منهم بذلك الحلم، من أولى بتقديم يد العون والمساعدة له منهم.. من الأكثر حاجة ليد حانية تخفف بعضا من أوجاعه.

بسطاء إبتلاهم الله فوق ضيق ذات أيديهم أجسادا مريضة ربما تحملوا وهنها في صمت، لكن ماذا عن وجع فلذات الأكباد؟ من يتحمل أنات مرضهم، من يقدر على رؤية نظرات الانكسار في عيونهم، من يجرؤ على النظر فى قسمات وجوههم البريئة التي خط عليها المرض بقسوة فزاد لعمرها سنوات، من يستطيع تحمل صرخات آلامهم، من لدية قلبا صلبا لا يتمزق مع كل دمعة عين ونظرة خوف واستغاثة رحمة تطلب العون والرجاء لتخفيف آلام تمزق أجسادهم وتحرمهم من متعة طفولتهم وأحلى سنوات عمرهم.

من منا يلمح تلك المشاهد الحزينة ولا تتراءى له تجسيدا حيا للالم والمعاناة وقلة الحيلة والفقر، نلمحهم وهم يفترشون الأرض أمام مستشفى أبو الريش، ملابسهم البسيطة التي تشى بضعف الحال يحتضنون صغارهم بقلوب ممزقة وأجساد متعبة وعيون حزينة وأنفاس لاهثة تتعلق بخيط أمل تتشبث به كأنه طوق نجاة.

ساعات طويلة يمضونها في الانتظار، قبلها ساعات مضنية شاقة في السفر من المحافظات المختلفة لطرق باب الامل الوحيد، تعقبها ساعات أخرى وربما أيام واسابيع تتكرر فيها تفاصيل رحلتها الشاقة من الدار البعيدة لمستشفى أبو الريش تتارجح فيها بين الياس والأمل بين الموت والحياة بين الفرحة والحزن بين الضحكة وبحار من الدموع.

لاتجد طوال تلك الرحلة الشاقة إلا الشارع مأوى لأجسادها المتعبة، ترتكن لحائط تشكو إليه ألمها أو تستند لجدار تجد فيه رغم صلابته متكئا أكثر رحمة من قلوب مسئولين لم يرثوا لحالهم يوما ولم يكدر مشهد رحلتهم الشاقة نوم أحدهم ليلا، ولم يزعج وجوههم البائسة وحالتهم المتردية عقله فابى ألا يغمض له جفن حتى يضع حدا لتلك الآلام.

عشرات الآلاف يخوضون تلك الرحلة الشاقة سنويا، قائمة الانتظار طويلة، وإمكانات المستشفى ضعيفة، ثلاثة عشر مليون جنيه هي جملة ميزانية المستشفى لا تكفي، كما صرح المسئولون عنه كثيرا، سوى ربع الاحتياجات الفعلية له. ولم تعرف بعد سيول التبرعات التي تتدفق إلى غيره طريقها إليه، ولايستطع هو بالطبع أن ينتزع قدرا من هذه التبرعات التي تجيد الإعلانات المتقنة التوظيف وابتزاز المشاعر والعواطف والتلاعب بها لاغتنام القدر الأكبر منها، والذى يثير شكوك الكثيرين رغم أنه لم يسلم جامعها من الاتهامات التي وجهت لبعض القائمين عليه.

ربما جاء إقتراح البلتاجى بتخصيص عمارة سكنية لهؤلاء المتعبين من أهالى مرضى أبو الريش ليفتح طاقة نور وسط تلك العتمة التي يعيشها هؤلاء المتعبين.. لكن هل يجد اقتراحه صدى في نفوس باقى الأعضاء فيتحمسوا له حماسهم لإقتراحات أخرى لاتخدم سوى القادرين والميسورين وأصحاب المال ورجال الاعمال! هل تتحمس له الدولة نفس حماسها لتشييد الكبارى وتعبيد الطرق وبناء المدن الجديدة لمواطنيها الميسورين! هل نمد لهم يد العون مثلما نفتح أذرعنا للقادرين فيزدادوا راحة وطمأنينة وغنى! هل مازال من حق البسطاء أن يحلموا بوطن يتسع للجميع! وبيد تحنو على الجميع؟! أم أن حلمهم البسيط سيظل مجرد اقتراح عابر لن يجد آذانا صاغية في برلمان لا يهوى سماع هموم الشعب، وتزعجه كثير أنات المطحونين البسطاء.
-----------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | الموت قهرا